أثر الفراشة مع نحن نحب القراءة : من فكرة إلى برنامج وحراك مجتمعي عالمي

لقاء مع الدكتورة رنا الدجاني، مؤسِسِة برنامج نحن نحب القراءة، الأردن

كيف بدأت فكرة  برنامج “نحن نحب القراءة”؟

بدأت فكرة برنامج نحن نحب القراءة بعودتي إلى الأردن بعد غياب دام 5 سنوات. غيابي لهذه الفترة جعلني أنظر للبلد بعين أخرى وبطريقة مختلفة. خلال فترة وجودي في الخارج، كنت أعمل بجهد مع مكتبة عامة، الأمر الذي جعلني محبة للقراءة أنا وأطفالي، عند عودتي لاحظت أن هناك عدد قليل من المكتبات في الأردن، وليس هذا وحسب ولكن أيضًا أن الأطفال لا يتخذون القراءة من أجل الاستمتاع كعادة، يقرؤون فقط من أجل الأغراض الدينية والتعليمية بدلاً من القراءة من أجل الاستمتاع، وتتوسّع هذه الظاهرة لتشمل جميع أنحاء العالم العربي والعديد من الدول النامية.

كعالمة، قررت إجراء بحث خاص لمعرفة وفهم الأسباب وراء العزوف عن القراءة لأحاول تغيير هذا الجانب من المجتمع الذي أعيش فيه. اكتشفت أن الأطفال لا يقرؤون من أجل الاستمتاع لأنهم ببساطة لا يحبون القراءة، واعتمادًا على بحثي وتجربتي كأم أدركت أنه يمكن أن يكون للوالدين دور كبير في غرس حب القراءة في أطفالهم من خلال القراءة لهم في سن مبكرة.

يعد تدريب جيل من الآباء على القراءة بصوتٍ عالٍ مهمة صعبة، لكن لاعتقادي أني أتحمل مسؤولية خدمة مجتمعي شعرت بأن من واجبي عمل شيء واتخاذ إجراء يمكن أن يساعد في حل المشكلة. وضعت هدفًا وهو إنشاء مكتبة في كل حي من أحياء الأردن بدءً من مكتبتي الخاصة. تعاونت مع عائلتي للبحث عن مكان يمكن أن أقرأ فيه بصوتٍ عالٍ للأطفال. أردت مكان مناسب وآمن ويمكن العثور عليه بسهولة في كل حي، وعند التفكير وبعد البحث خطر لي.. لماذا لا يكون هذا المكان هو المسجد؟!!

تحدث زوجي مع إمام المسجد في المنطقة وأوضح له أني أريد القراءة بصوتٍ عالٍ لأطفال الحي وتأمل في استخدام المسجد لعقد الجلسة، وافق الإمام وقام بعد صلاة الجمعة بالإعلان عن عقد جلسة قراءة بصوتٍ عالٍ للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4-10 سنوات في صباح اليوم التالي في المسجد، أحضرت مجموعة مختارة من الكتب والأزياء للجلسة وفي نهايتها وزعت الكتب بين الأطفال وطلبت منهم قراءة القصص أو أن يُقرأ لهم كل ليلة حتى موعد الجلسة القادمة.

الدكتورة رنا الدجاني والقراءة بصوت عال ضمن برنامج نحن نحب القراءة

أثبتت جلسات القراءة نجاحها بشكل كبير. في البداية جاء الأطفال لأن آباءهم أجبروهم على ذلك ولكن بعد الاستماع للقصص بطريقة قراءة ملؤها العاطفة وشغف سرعان ما وقعوا في حب القراءة. في صباح كل يوم سبت أصر الأطفال على حضور جلسات القراءة وقاموا بإحضار والديهم معهم. بدءً من هذه الجلسات البسيطة تحولت نحن نحب القراءة من فكرة إلى برنامج وحراك مجتمعيّ.

ما هي التحديات التي واجهتكم في البداية وكيف تغلبتم عليها ؟

بداية أنا لا أسميها تحديات أسميها فرص للتعلم لذلك عندما يسألني أحد هذا السؤال أحتار لأني لا أجد تحديات بل فرص للتعلم ولكن إذا نظرت للسؤال بهذه الطريقة ما هي الفرص اللي تعلمت فيها فهي كالتالي:

  • أن الناس كانت تقول لي انتي من تعتقدين نفسك ماذا تستطيعين أن تفعلي من تغيير وأن قراءتك للأطفال مرة بالأسبوع لن تحدث تأثير والأصل هم الأهل، وواجهتهم بأن قلت أنني أؤمن أني قادرة على عمل تأثير وأن ديني وحضارتي وثقافتي علموني أن أحاول وأنني لست مسؤولة عن النتيجة ولكن مسؤولة عن المحاولة فأنا حاولت وهكذا واجهت التحدي وأن الفرد عليه أن يسأل نفسه ماذا يستطيع أن يعمل ويبدأ بشيء صغير يقدر هو على فعله وشعوري بالمسؤولية أن لدي علم علي نقله  وهذا ما دفعني للإكمال.
  • التحدي الثاني أنه لا يوجد دعم مالي وأنه توجب علي أن أقدم على منح كثيرة للفوز بمنحة وحدة وأيضا أخذت بعين الإعتبار أنه في حال قدمت على عشر منح سوف يرفض منهم تسعة مما جعلني أواجه التحدي ولا أحزن عندما يتم الرفض وهذا متوقع لكني كنت أتعلم من التغذية الراجعة حتى أتحسن في المرحلة التالية والتي بعدها لحين النجاح في الحصول على منحة.
  • وتحدي ثالث كان كيف سنوصل البرنامج لكل العالم فكان الحل انه كل ما زادت بساطة البرنامج سيكون أسهل عليه الوصول لكل العالم فأي شخص يستطيع أن يطبقه، وتحدي آخر أن الجميع طلب مني  أن أتبع مصادر التمويل والدعم  لكنني كنت أركز على هدفي ولا أزيغ مهما كانت الإغراءات لأن أهم شيء الجودة وحينها سيأتي الداعمين والممولين لكن هذا يحتاج إلى إيمان ومثابرة وبالفعل هذا ما حصل وأصبحت الناس تأتي للبرنامج  لأنه يمتلك الجودة العالية  التي بيناها عبر الأبحاث العلمية التي نقوم بها لنثبت أثر برنامجنا.
  • ومن التحديات الأخرى التي واجهناها اختيار آلية قياس أثر البرنامج  فكنا لا نرغب باتباع الطريقة التقليدية مثل الجمعيات الأخرى، فاخترنا أن نقوم باتباع المنهج العلمي مما حفزنا أن نبدع لأن لا أحد يقوم بعمل تقييم الأثر بنفس الطريقة العلمية.

كيف أثرت خلفيتك العلمية الأكاديمية  في تصميم ثم إدارة البرنامج ؟

  لأنني عالمة أحياء أنظر إلى الطبيعة وأتعلم منها.. حين صممت البرنامج بقيت ثلاث سنوات  في مرحلة التجربة والخطأ  والتي تشبه التطور حتى طورت البرنامج ليكون بأبسط صورة ولكن يفي بالغرض وكأنه يقلد لطبيعة كما تقوم الكائنات الحية بالتطور لتتلائم مع بيئتها حيث تتجلى البساطة مع التعقيد في تناغم جميل وهذا هو برنامجنا.

نحن نحب القراءة برنامج بسيط أي شخص يستطيع تطبيقه وبنفس الوقت يحترم الاختلاف أن كل شخص يستطيع استخدامه بما يتلائم مع حاجاته. وخلفيتي العلمية أيضا جعلتني أفكر كيف أقيس الأثر باستخدام الطرق العلمية في البحث العلمي مثل التجارب العشوائية المحكمة وصولا لطريقة تصميم الدراسات وذلك بالتعاون مع علماء وباحثين في مجالات مختلفة حيث يتم قياس الأثر وأيضا خلفيتي العلمية كباحثة وعالمة، أهتم بالتعلم الإجتماعي العاطفي من نواحي مختلفة كعلم النفس أو الصحة النفسية أو التعليم أو بالتوثيق حيث يدون كل شخص ما يقوم بعمله ويجيب بالنظام والترتيب وكل شخص يكون مسؤول عن عمله وثالثا من ناحية البحث العلمي والطبيعة فأنا لا أحب المركزية وأفضل اللامركزية حيث يشعر الشخص أنه هو مسؤول وانه يقوم بما يريد لأنه يحب ذلك لا لأنه واجب وهذه فلسفتي في البرنامج نفسه وفي إدارته كذلك.

لقد توسع البرنامج وأصبح لديكم سفراء في أكثر من 63 بلدا حول العالم . من هم سفراء “نحن نحب القراءة” وكيف يمكن لشخص مهتم أن يصبح سفيرا لبرنامجكم ؟

سفير القراءة هو الشخص الذي يتطوع بالقراءة للأطفال بصوت عال وبأسلوب مشوق مرة كل أسبوع أو بما يتناسب مع وقته وذلك بهدف جعل الأطفال يقعون في حب القراءة من أجل الإستمتاع.

قدم برنامج نحن نحب القراءة تدريبًا عن بُعد عبر الإنترنت للمتطوعين الذين يرغبون في أن يصبحوا سفراء نحن نحب القراءة، لكنهم غير قادرين على حضور التدريب شخصيًا. يقوم برنامج التدريب عبر الإنترنت بتدريب المتطوعين على كيفية إنشاء مكتبة خاصة بهم، ويتضمن وحدات متعددة حول العثور على موقع مناسب لجلسات القراءة بصوت عالٍ، وكيفية اختيار مواد القراءة المناسبة، وتجارب لسفراء آخرين ونصائح القراءة بصوت عال، من بين أمور أخرى.

الأفراد الذين يكملون برنامج التدريب عبر الإنترنت سينضمون أيضًا إلى شبكة سفراء نحن نحب القراءة العالمية، شبكة تضم أكثر من 5,000 سفير قراءة حول العالم.

يستطيع المهتمون الدخول على الرابط التالي:

https://welovereading.org/ar/training-portal/

ما هي الخلطة السرية لنجاح واستمرار البرنامج ؟

إن كان الأطفال اللذين يتم القراءة لهم أو الكبار سفراء القراءة، كلاهما يقوم بعمل الشيء لأنه يرغب بفعله لا لأنه واجب مفروض عليه.. فالبرنامج مبني على الحوافز الداخلية وليس الحوافز الخارجية، فالإنسان حين يقوم بعمل ما بدافع الحب فهو سيتبناه ويمتلكه ويكون مسؤولا عن أخذ القرارات فيه مما يتوائم مع الفطرة الإنسانية.

حين يقع الأطفال في حب القراءة، سيقروأون لوحدهم ويستمرون في التعلم بغض النظر عن وجود المدرسة أو المعلم؛  وكذلك سفراء القراءة، يقرأون للأطفال بدون أن يخبرهم أحد أن عليهم فعل ذلك ولا يقوم أحد بالتفتيش عليهم وليس عليهم تقديم تقرير لأحد.. هم يقرأون لأنهم يحبون فعل ذلك. قد يرغبون بمشاركة نشاطهم وقصصهم ونجاحهم وحتى تحدياتهم بطريقة أنهم قياديين، فيشاركون نجاحاتهم وما تعلموه حتى غيرهم يتعلم من تجاربهم فينظروا لأنفسهم على أنهم معطائين ومرشدين لغيرهم مما يجعلهم أفراد فاعلين في المجتمع ليس فقط من خلال القراءة ولكن يفكرون بإصلاح أشياء أخرى في مجتمعهم وهذا ما يجعل البرنامج مستداماً  لأنه مبني على الحوافز الداخلية وليس المحفزات الخارجية التي تحتاج لإمداد خارجي وهنا يظهر الفرق وهذه هي الخلطة السرية التي تحدثت عنها.

ما هي أحلامكم/مشاريعكم المستقبلية ؟

نحلم أن كل طفل يكتشف حب القراءة ليكتشف الطاقات الكامنة بداخله ويستطيع أن يفجرها ليحسن عالمه ويكتشف العالم من حوله وهكذا ينشأ جيل صانع للتغير ونيبني جيل أفضل.. فحلمنا أن نصل لكل طفل في كل حارة في العالم وأن يكون لدى كل إنسان شعور بالمسؤولية وأنه يمتلك مستقبله وانه هو يستطيع أن يكون صانع للتغيير. لذلك شعارنا أننا نعمل على تغيير أنماط التفكير من خلال القراءة. فالقراءة هي عبارة عن أداة تمكننا من تغيير نمط التفكير  للناس كي يشعروا بالمسؤولية ويأخذو زمام المبادرة ويقوموا بحل مشكلاتهم ومشاكل المجتمع من حولهم.

وهنا أنصح بقراءة كتاب الأوشحة الخمسة الذي كتبته عن تحقيق المستحيل بالإضافة إلى الإطلاع على خطابي على منصة Tedx بالعربي :

ما أهم نصيحة تودين تقديمها للرواد الاجتماعيين بصفة عامة و في مجال التعليم بصفة خاصة ؟

النصيحة التي أقدمها للرواد الإجتماعيين بشكل خاص وللجميع :

كل إنسان مميز لا يوجد شخص لديه  DNA مشابه لشخص آخر فكل شخص يمتلك شيء مميز بداخله يمكن أن يقدمه للمجتمع وإذا رأيت شيئا ما يزعجك لا تنتظر أن يقوم أحد بإصلاحه ولا تلم أحدا بل خذ بزمام المبادرة وحاول أن تحله بنفسك ولا تفكر بحلول كبيرة بل فكر ماذا تستطيع أن تعمل اليوم.

وإذا شخص ما سألك من تعتقد نفسك أنت مجرد نقطة في محيط قل له إن المحيط ليس سوى مجموعة من النقاط.

إذا كنتي قادرة على أن تحلمي بشيء ما، يعني ذلك أنك قادرة على تحقيقه فلا شيء مستحيل… ثقوا بأنفسكم وبادروا. أنت فقط  مسؤول عن المحاولة وليس عن النتيجة وهنا يتجلى أثر الفراشة… عندما فراشة ترفرف جناحها في مكان ما يحدث إعصار في مكان آخر بعيد.

منذ عام 2006، توسع برنامج نحن نحب القراءة ليشمل حوالي 60 دولة حول العالم وإنشاء حوالي 4400 مكتبة في مختلف المجتمعات –الريفية والحضرية- وكذلك في مخيمات اللاجئين. يرتكز نموذج نحن نحب القراءة على صناعة التغيير على المستوى المحلي عن طريق تمكين الناس ليصبحوا صناعًا للتغيير في مجتمعاتهم. 

حصد البرنامج العديد من الجوائز الإقليمية والدولية ويشمل الموقع على العديد من الموارد المهمة منها:

  • منصة التدريب – توفر تدريب عن بعد عبر الإنترنت للمتطوعين الذين يرغبون في أن يصبحوا سفراء نحن نحب القراءة، 
  • المجموعة القصصية – مجموعة قصص مصورة للأطفال من سن 4-10 سنوات تم تطويرها من قبل البرنامج

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s