بقلم ميراندا بشارة، مؤلفة ومترجمة كتب الأطفال وشريكة مؤسِسة لمبادرة حادي بادي
قبل خمس سنوات، اتخذت قرارًا واعِيًا بترك وظيفتي كإستشارية إقليمية مع البنك الدولي وتحويل شغفي بقراءة وتأليف كتب الأطفال العربية إلى مهنة. بحلول ذلك الوقت، كنت قد نشرت بالفعل كتابي الأول مع دار البلسم، وأطلقت مبادرة حادي بادي مع هند بدوي ورنيم حسن، كما كنت قد أكملت المستوى الأول من دبلومة أدب الطفل في فرنسا حيث أعيش وأعمل منذ أكثر من 12 عامًا. وبفضل نعمة الوقت خلال حظر الكورونا، أتيحت لي الفرصة أيضًا أن أشترك في دورة تدريبية للمعلمين مع مدرسة كلامنا لتدريس اللغة العربية للأطفال الناطقين وغير الناطقين بها باستخدام منهج كلامنا للصوتيات. قمت بذلك أونلاين على مدار ثلاث سنوات متتالية مع طلاب من جميع أنحاء العالم تتراوح أعمارهم ما بين عمر 4 سنوات و14 سنة وكانت خبرة قيمة أضافت لي الكثير ككاتبة ومترجمة لفهم تطور علاقة الطفل مع اللغة العربية. لقد توقفت عن التدريس للتركيز على مشاريع أخرى ولكني أتشرف بعضوية مجلس إدارة شركة كلامنا التعليمية.
في واقع الأمر، تعود رحلتي مع اللغة العربية وكتب الأطفال إلى أكثر من 16 عامًا مضت عندما التحقت ابنتي بالمدرسة الفرنسية في القاهرة. سألني معلمها في روضة الأطفال آنذاك (وهو الآن صديق عزيز) عما إذا كنت على استعداد لتنظيم نشاط أسبوعي باللغة العربية. وافقت بدون تردد وعلى مدار عامين، سعيت لاختيار كتب أطفال جذابة من الإصدارات المتاحة بالعربية وقمت بتطوير أنشطة ممتعة للطلاب الصغار الناطقين بالعربية وغير الناطقين بها. ثم أخذت الحياة منحى مختلفًا وانتقلت مع أسرتي للعمل والمعيشة خارج مصر حيث وجدت نفسي مع ابنتي وابني وأنا أحاول جاهدة الحفاظ على هويتهما العربية. لم أكن أعلم أن كل ذلك سيصبح مهنتي في يوم من الأيام؛ وهأنذا أرتدي عدة قبعات (إذا جاز استعارة التعبير من الإنجليزية) كلها مرتبطة باللغة العربية وأدب الطفل.
ماذا علمتني إذًا هذه الرحلة ؟
- من الطبيعي أن نتكلم مع أطفالنا بلغتنا الأم – أهم شيء من وجهة نظري والذي ساعد أطفالي كثيرًا هو تحدثنا بلغتنا الأم وهي اللهجة المصرية في حالتنا. حتى في صفوف تدريس العربي، لاحظت أن الطلاب الذين يتعرضون إلى ويتحدثون العربية مع أهلهم، يكون لديهم سهولة أكبر في تطوير مهارات القرائية أي القراءة والكتابة بالعربي. لذلك، نصيحتي الدائمة لجميع الأمهات والآباء هي التحدث مع الأطفال بلغتكم الأم سواء تعيشون في بلد عربي أو تعيشون بالخارج أو في أسرة متعددة اللغات والجنسيات. حتى لو كان طفلكم يجيب بلغة أخرى أو لا يُقَدِر اللغة العربية كثيرًا، ثابروا على التكلم بلغتكم الأم، سوف يشكرونكم لاحقًا. إن نقل اللغة الأم إلى الأطفال عملية طبيعية وهي واحدة من أعظم الهدايا التي يمكن أن نقدمها لهم.
- كل ما كان الأمر ممتعًا كل ما كان ذلك أفضل بكثير – من فضلكم وأرجوكم لا تحصروا اللغة العربية في التعلم الأكاديمي فقط وربطها بالمهام التعليمية الإلزامية. اجعلوا الأمر ممتعًا وجذابًا، اطلعوا أطفالكم منذ الصغر على مفردات جديدة أثناء اللعب، عرّفوهم على الفن والموسيقى والشعر وكذلك الثقافة الشعبية واستمتعوا معًا. أغاني الأطفال نقطة انطلاق رائعة وبعض من أغاني البوب العربية أيضًا. احتفلوا بالعربي واصنعوا ذكريات خاصة بكم ولا تنسوا الاستمتاع بالأكلات العربية الشهية.
- الكتاب خير رفيق – أنتم محظوظون لأن اليوم هناك الكثير من كتب الأطفال العربية الرائعة المتوفرة. لم يكن الأمر كذلك عندما كان أطفالي صغارًا. اختاروا الكتاب المناسب لأعمار أطفالكم واهتماماتهم ومستوى لغتهم العربية. إذا كان الطفل يحب كتابًا معينًا بلغة أخرى، حاولوا أن تجدوا كتابًا مشابهًا باللغة العربية أو يمكنكم حتى حكيه بالعربي. في حالتي، أحب أطفالي قصة ما قبل النوم الشهيرة ”تصبح على خير يا قمر“ فقمت بترجمتها إلى اللهجة المصرية وحاولت أن أجعل الجمل مسجوعة. تعتبر القصص المكتوبة بالعامية/ اللهجات المحكية أو الدارجة مدخلاً رائعًا لتأسيس طقوس القراءة مع الأطفال وتطوير مهاراتهم اللغوية. كما تعتبر الكتب ثنائية اللغة والكتب والقصص الصوتية موردًا رائعًا أيضًا. ولا تنسوا أن الكتاب العربي هدية رائعة للأطفال في أي مناسبة!
- وضع أهداف واقعية لتعلم اللغة العربية – حسب ظروفكم وموقعكم الجغرافي والنظام التعليمي الذي يدرس فيه أطفالكم، عليكم وضع أهداف واقعية لرحلة تعلم اللغة العربية مع تعديل التوقعات خلال الرحلة. بالنسبة لأسرتنا، كانت أهدافنا تتمثل في أن يكون أطفالنا قادرين على التواصل الجيد باللهجة المصرية، وأن يكونوا قادرين على القراءة والكتابة بما يتضمن ذلك من تحصيل المفاهيم والقواعد الأساسية للغة العربية الفصيحة. ولقد بدأنا مرحلة التعليم المنهجي فقط عندما فكوا شفرة القراءة في المدرسة بالفرنسية أولًا. والأهم من كل ذلك بالنسبة لنا هو أن يكون لديهم ارتباط ثقافي وثيق بجذورهم وتراثهم من خلال هذه المعرفة باللغة العربية الغنية بتنوع لهجاتها المحكية حيث أن في عائلتنا هناك العربية المصرية والشامية. أعتقد أننا نجحنا إلى حد كبير، ومع ذلك يجب أن أعترف بأن مستوى القرائية العربية لدى أولادي بحاجة إلى المزيد من التدريب. ولكن دومًا ما أقول لنفسي أن ذلك سيحدث في وقت ما عندما يحتاجون لذلك وأنهم على الأقل لديهم قاعدة جيدة للانطلاق منها إذا ما رغبوا في متابعة مستويات أعلى من تعلم اللغة العربية. تذكروا، إنها رحلة !
- التواصل مع و/أو بناء مجتمع داعم – قد تكون محاولة التحدث أو القراءة مع طفلكم بالعربي مهمة شاقة وفي بعض الأحيان انفرادية لحد كبير بالنسبة للكثيرين. أنكم لستم بمفردكم! نعم، هناك العديد من الأهل في نفس الوضع، حتى ان بعضهم (ومن ضمنهم نحن في حادي بادي) اتخذوا خطوات لمشاركة تجاربهم وإنشاء محتوى جذاب لزيادة الوعي وبناء مجتمع مهتم بالإضافة إلى الكتابة والترجمة ونشر الكتب بكل مستويات اللغة العربية وغير ذلك الكثير. لذا شكراً جزيلاً لكم جميعًا على هذه الطاقة الايجابية والإلهام ! إذا كان لديكم الوقت ، خذوا زمام المبادرة واجمعوا الأشخاص الذين يشاركون نفس التفكير لجلسة حكي تفاعلية مع أطفالكم مرة في الشهر على سبيل المثال حتى لو أونلاين أو اطلعوا على الفعاليات القريبة منكم إن وجدت.
وختامًا، أنا ممتنة للغاية لأن رحلتي قادتني إلى معرفة كل من هند ورنيم، شريكاتي في تأسيس وإدارة مبادرة حادي بادي بالإضافة إلى كونهن أخصائيات نفسيات رائعات للأطفال والمراهقين، هن شغوفات مثلي بأدب الطفل واليافعين ولديهن البعد النفسي في كل ما يتعلق بتطور الطفل وكيفية استخدام الكتاب كمدخل للتعبير عن المشاعر وتنمية مهارات التعاطف.
أنا فخورة جدًا بما حققناه حتى الآن في حادي بادي ونأمل أن تجدوا الموارد العديدة والأنشطة التفاعلية التي نطورها بشكل مستمر مفيدة في رحلتكم مع نقل اللغة والثقافة العربية إلى أطفالكم.
لذا في اليوم العالمي للغة العربية وكل يوم في الواقع، نصيحتنا لكم بكل بساطة أن تتكلموا وتلعبوا وتغنوا وتضحكوا وتقرأوا وتستمتعوا مع أطفالكم بالعربي لتبقى لغتكم الأم حية ومواكبة للعصر!
نحب دائمًا أن نسمع منكم إذا كان لديكم أي ملاحظات أو أفكار لجعل محتوى وأنشطة حادي بادي أفضل.